الاثنين، 22 مارس 2010

بودلير

الرغبة في التصوير

لعل الإنسان شقي، بيد أن الإنسان الذي تمزقه الرغبة سعيد! أتحرق شوقاً إلى رسم الأنثى التي ما ظهرت لي إلا نادراً، والتي ولـّتْ سريعاً كشيء جميل يدعو إلى الأسف خلف المسافر الحاد الطبع في الليل. فكأنها غابت منذ أمد بعيد! هي جميلة، وأكثر من جميلة؛ فهي أخـّاذة يغمرها السواد؛ فكل ما تلقيه في النفس من ومضات الإلهام إنما هوليل دامس. عيناها مغارتان يومض منهما السر الخفي بغموض، فتلمع نظراتها كالبرق: ذلك هو انفجار في الظلمات. قد أقارنها بشمس سوداء، إذا أمكننا تصور كوكب أسود يتدفق بالنور والسعادة. لكنها تذكرك بالقمر الذي ترك عليها بدون شك، عن طيب خاطر، طغيان فتنته المرعبة؛ لا بذلك القمر الأبيض الذي تتغنى به القصائد الرعوية، والذي يشبه امرأة متزوجة باردة الطباع، بل القمر المشؤوم والمسكر بفتنته، والمعلق في ليل عاصف، المدفوع بالسحب المهرولة، لا القمر الهادئ والمحتشم يداعب خواطر البشر النزهاء، بل القمر المقتلع من السماء، المنهزم والثائر، الذي تجبره الساحرات التيساليات إجباراً قاسياً على أن يرقص على العشب المذعور من سحرهن! في جبهتها الصغيرة تسكن الإرادة المصممة، وحب اصطياد ضحاياها، لكنْ، تحت هذا الوجه الذي تشغل فتنتـُه القلوبَ، أنفة ٌ تصبو فيه متحركة إلى المجهول والمستحيل، وتتفجر بدلال يَجـِلّ عن الوصف، ضحكة فم كبير، أحمر وأبيض، وشهيّ، يجعل المرء يحلم بزهرة مدهشة رائعة تتفتح في تربة بركانية. هناك نساء يَصْبون إلى الرغبة في كبح جماحهن والاستمتاع بهن، ولكن هذه المرأة تحبب لنا الموت ببطء تحت بصرها .

37

محاسن القمر

وهبط سلمه الضبابي في ارتخاء، من عليائه، مّر في هدوء، عبر زجاجات النافذة، ثم تمدد على جسدك في حنان أم رقيقة القلب، فوضع على وجهك ألوانه ، ظلت عيناك بفعل ذلك، خضراوين، ووجنتاك باهتتين، خلافاً للعادة؛ فما اتسعتْ حدقتاهما اتساعاً عادياً إلا لكونهما تتأملان ذلك الزائر؛ وقد ضمك إلى صدره ضماً عنيفاً احتفظتِ فيه للأبد، بالرغبة في البكاء.

والحال أن القمر يغمر الغرفة كلها في اتساع بهجته ، كمحيط جوي فوسفوري وكسمّ لامع؛ وكان ذلك الضوء كله يملي عليك أفكاره: ستكابدين، أبد الآبدين، مفعول قبلتي. وستصبحين جميلة على طريقتي. وستحبين من أحبه ويحبني: الماء، والسحب، والصمت، والليل؛ ستحبين البحر الشاسع والأخضر؛ الماء الذي لا شكل له ومتعدد الأشكال؛ والبلدَ الذي لن تحِلّيَِ فيه؛ والحبيبَ الذي لن تتعرفي عليه؛ والأزهار البرية؛ والعطور التي تخلب الألباب؛ والقطط المأخوذة طرباً بإيقاع آلات البيان التي تئن في صوت أبحّ وعذب، وكأنه تأوه النساء من تباريح الهوى.

وسيشغف بك حُباً عشاقي، وسيتغزل بك جلسائي. ستصبحين ملكة على البشر ذوي العيون الخُضر الذين مازلتُ أضمهم بعنف في مداعباتي الليلية؛ وأولئك الذين يحبون البحر، البحر الشاسع، البحر الصاخب والأخضر، والماء الذي لا شكل له، ومتعد د الأشكال، والبلد الذي لم يطئوه، والمرأة التي لا يعرفونها، والأزهار الكئيبة التي تشبه مباخر ديانة غير معروفة، والعطور التي تبلبل الإرادة، والحيوانات الوحشية والشهوانية التي هي سُعارات جنونهم.

ولذلك عزيزتي ، أيتها البنت المدللة؛ فإني مضطجع الآن تحت قدميك، باحث عن شخصكِ كله، وعن انعكاس الألوهية الرهيبة والِعرافة المُنبئة، والمربية المطعمة سماً لجميع المتقلبين القمريين.

38

أيهما الحقيقية؟

أعرف إحدى البينديكتات* وكانت تشغل أجواء المثل الأعلى، فعيناها كانتا تبديان شوقاً إلى الرفعة، والجمال، والمجد، وإلى كل ما يقتنع بالخلود. إلا أن تلك الفتاة المعجزة كانت أكثر جمالاً لأن تعيش طويلاً؛ أيضا ماتت بضعة أيام بعد أن تعرفت عليها، فأنا نفسي الذي دفنتها يوم كان الربيع يحرك مبخرته إلى داخل المقابر، أنا الذي دفنتها مغلقاً عليها بإحكام في نعش من خشب معطر من خزائن الهند، غير قابل للفساد.

وبما أن عينيّ ظلتا مثبتتين فوق المكان الذي كان مدفوناً فيه كنزي، فقد رأيت بغتة شخصاً صغيراً كان يشبه المرحومة وحدها، ويراوح على الأرض الندية بعنف هستيري وشاذ، فأخذ يقول مقهقهاً: " أنا البنيديكتا الحقيقية! أنا محتقرة شهيرة! ومن أجل الاقتصاص من جنونك وتهورك، ستحبني كما أنا! " لكنني أنا، أجبت ساخطاً: " كلا! ثم كلا! ثم كلا! " ، ولأشدد أحسن تشديد على رفضي، ضربت الأرض ضرباً عنيفاً بقدمي حتى انغرزت ساقي إلى الركبة في اللحد الجديد مثل ذئب وقع في الفخ، وحتى أبقى مرتبطاً ربما إلى الأبد، بمقبرة المثل الأعلى.

39

جواد أصيل

بشعة جداً. ومع ذلك فهي عذبة!

خط عليها الدهر والحب أختامهما فلقناها بقساوة كيف يجلبان إليها في كل دقيقة ، وفي أثناء كل قبلة، طراوة الشباب ونضارته. بشعة حقاً، نملة، وعنكبوت ذات تعاريق إن شئت، بل هي هيكل عظمي، غير أنها شراب نقيع، بلسم، وسحر! إجمالاً، فهي لذيذة. فما استطاع الدهر أن يشوه نشازاً، إيقاع سيرها المتألق، ولا الرشاقة الأبدية لبنيتها، وما أفسد الحب عذوبة نكهتها الطفولية؛ ولا اقتطع الدهر بتاتاً شعرة من ذؤابتها الغريزةِ الشعر التي يتأرجح فيها عطراً قوياً، كلّ ُ الحيوية المتقدة لـ جنوب فرنسا:مدن الشمس المباركة والعشيقات الفواتن: نيم، إكس، أرل، أفينيون، ناريون، وتولوز.

لقد عضها الدهر والحب عضاً بأنيابهما البارزة بلا جدوى، فلم ينقصا من صدرها المتطفل (المتخلق بأخلاق الطفل) شيئاً من الفتنة الغامضة، بل الأبدية.

لعلها مستهلكة، لكنها غير متعبة، فلا تزال بطلة، تفكر في جيادها الأصيلة التي ما زالت عين هاوي الخيل الحقيقي لا تخطئها، ولو شـُدتْ إلى عربة الكراء أو إلى عربة نقل الأثقال.

ثم إنها عذبة ومتحمسة إلى حد ما! تحب كما نحب في الخريف؛ فكأنما توقد بوادر الشتاء في قلبها نارا جديدة، فوضاعة رقتها لا يعجزها شيء.

40

المرآة

يدخل رجل قبيح الهيئة، فيتأمل نفسه في المرآة". لماذا تتأمل نفسك في المرآة؟ إذ أنك لا تستطيع أن تنظر إليها إلا بانزعاج؟ " يجيبني الرجل القبيح: " سيدي، بناء على مبادئ سنة 89 *، فإن جميع البشر متساوون في الحقوق؛ فأنا إذن أمتلك حق تأمل نفسي بحبور أويانزعاج، وهذا لايهم سوى ضميرى. " فباسم الذوق السليم، فإنني على حق بلا ريب؛ لكنه لم يكن مخطئاً قي نظر القانون.

41

الميناء

ميناء ما، مثوى فاتن لنفس أتعبها صراع الحياة. شساعة أرجاء السماء، والهندسية المعمارية للسحب، وتلاوين البحر المتقلبة، وتلألؤ أضواء المنارات، هي خيالٌ طيفيّ عجيب خاص لتسلية العيون المتأملة دون أن يجفوها أبداً. الأشكال الفارهة للسفن الشراعية التي يطبع عليها التموج اهتزازات متناغمة في عتادها المعقد، تصلح أن تغذي في النفس ذوق الإيقاع وذوق الجمال. فضلاً عن ذلك، هناك بالخصوص نوع من الحبور الغريب والأرستقراطي بالنسبة لمن ليس له بتاتاً لا حب استطلاع، ولا طموح في التأمل راقداً في المنظرة بمقصورته، أو متكئاً على الرصيف، فهناك كل تلك الحركات التي يقوم بها من يذهبون ويؤوبون، وحركات أولئك الذين ما زالت عندهم قوة الإرادة، والرغبة في السفر أو الاغتناء.

42

صور الخليلات

كان أربعة رجال يدخنون ويشربون في صالون صغير للرجال، يعني في غرفة للتدخين ملاصقة لبيت مشبوه أنيق. ولم يكونوا بالضبط شباباً ولا مسنين، ولا وُسَماء، ولا بشِعي الوجوه؛ بل مسنين وشباباً، فقد ظلوا يحملون معهم تلك الميزة التي لا يجهلها العريقون في الملاذ بسهولة، هذه الحال الفائقة الوصف غير متناهيته، وذلك الحزن البارد والهُزَأةُ الذي يقول لسان حاله مباشرة: " عشنا عيشة عنيفة، ونبحث الآن عمن يمكننا أن نحبه ونقدره."

ألقى واحد منهم حديثه حول النساء. وكان حديثاً أكثر فلسفة لعدم حديثه عنهن أبداً؛ لكنْ يوجد مفكرون. لا يحتقرون المحادثات المبتذلة بعدما يتناولون نبيذاً. ونستمع الآن إلى من يتكلم كأنما نستمع إلى موسيقى الرقص. كان ذلك الرجل يقول: " إن لجميع البشر عمراً كعمر طفل ٍ ملاك مجنح، فذلك هو الزمن الذي يعانق فيه المرء سيقان القسطلات بدون اشمئزاز، لانعدام حوريات الغاب. تلك هي الدرجة الأولى في الحب. أما الدرجة الثانية، فيبدأ المرء في اختبارها، وقدرته على انتقائها، فهي بعدُ، تأخرما، وحينئذ يبحث فيها المرء عن الجمال. وفيما يخصني أيها السادة، فإنني أتبجح بأنني قد بلغت، منذ أمد طويل، الدرجة الثالثة التي لم يعد فيها الجمال بالذات يكفي إذا لم يفوّه بالطيب، وبالحلي، وهلم جراً. بل سأعترف بأنني أصبو أحياناً، كما هي الحال في سعادة مجهولة، إلى درجة رابعة لابد لها أن تترك الهدوء المطلق. لكنني طيلة حياتي كلها، عدا مرحلة الطفل الملاك المجنح، كنت أشد رهافة من أي واحد غيري في الحمق المثير للأعصاب، وفيما دون كفاف النساء المسخط. فالذي أحبه بالخصوص في الحيوانات، هو براءتها. فتصوروا كم عذبتني آخر خليلاتي. " كانت ابنة أمير غير شرعية جميلة، ذلك غني عن البيان؛ وإلا، فلماذا كنت قد اتخذتها خليلة؟ لكنها كانت تفسد تلك المزايا العظيمة من الحسن بطموح غير لائق ومشوه، كانت امرأة ظلت تساورها الرغبة دائماً في أن تمثل الرجل. " أنت لست رجلاً! واهاً! لو كنت رجلاً! فأنا وحدي الرجل من بين الاثنين! " تلكم كانت أقوالها المكررة المقيتة التي ظلت تصدر عن ذلك الفم الذي لم أكن أبغي أن أرى يصدر منه سوى أناشيد. [لاترهات الكلام.] وفيما يتعلق بكتاب وبقصيدةما، وبأوبرا فاتني الإعجاب بها؛ فقد اعتادت أن تفول على الفور: " لعلك تعتقد أن ذلك الأداء جد قوي؟ أو هل أنت خبير بأسرار قوته؟ " وظلت تسرد عليّ الدلائل . وفي أحد الأيام، تحولتْ تحولاً جذرياً؛ بحيث إنني وجدت فيها بعدُ، قناعاً من الزجاج. وبالرغم من ذلك، فهي جد متزمتة. فإذا ما استعجلتها بحركة غرامية بسيطة، انقبضت كنبتة* سُـْنط ممسوسة... فقال أحد الثلاثة معترضاً: - كيف انتهى ذلك؟ فأنا لم أعهدك صبوراً إلى هذا الحد.

أجاب: " شفاني الله بالتي كانت هي الداء".

فقد ضبطتُ يوماً هذه** المنيرفا المتعطشة إلى القوة المثالية وجهاً لوجه مع خادمي في وضعية أجبرتني على أن أنسحب في خفاء حتى لا أحرجهما خجلاً. وفي المساء، سرّحتهما كليهما مؤدياً لهما استحقاقات متأخرة عن خدماتهما. ثم استأنف المعترض كلامه:

- فيما يخصني، فإنني لم أشك إلا من نفسي بالذات. فالسعادة آتية لتسكن عندي، فلم يكن لي بها عهد. وقد أخذ القدر ينعم عليّ هذه الأيامَ الأخيرة بالاستمتاع بامرأة ظلت أعذب كثيراً، وأشد خضوعاً واكثر خلق الله إخلاصاً، ومستعدة على الدوام! وبلا حماس! " أرغب في ذلك أيما رغبة حيث إنه راقَ لك."، كان ذلك جوابها المعتاد. فعسى تخبط بالعصى ذلك الجدار أو تلك الأريكة، التي ربما تطلق عليه التنهدات التي لم تكن تطلقها أنفاس حميا الحب الأشد هياجاً من متاع خليلتي. وبعد مضي عام من المعاشرة، اعترفت لي أنها لم تعرف أبدا طعماً للمتعة، فأخذتُ أتقزز من تلك المشاركة الثنائية غير المتكافئة، وقد تزوجتْ تلك الفتاة العديمة المثال. اجتاحتني مؤخراً رغبة عابرة في أن أراها ثانية، فقد قالت لي، وهي تريني ربائبها الستة: " وبعد! يا صديقي العزيز، فإن الزوجة لا تزال بكراً كما كانت بكراً خليلتك." لم يتغير شيء في شخص تلك المرأة. أحياناً أندم عليها: " كان عليّ أن أتزوحها!" ***، وشرع الآخرون يضحكون، فقال ثالثهم بدوره:

" أيها السادة، عرفتُ مُتعاً ربما أهملتموها، أريد أن أتحدث عن الجانب الهزلي في الحب، وعن هزل لا يتنافى والإعجاب، لقد ُأعجِبْتُ ـ أعتقد ـ بخليلتي الأخيرة أشد الإعجاب أكثر مما استطعتم أن تكرهوا أو تحبوا خليلاتكم. فالناس كلهم ظلوا معجبين إعجابي بها. عندما كنا ندخل أحد المطاعم، وبعد بضع دقائق، كان كل واحد من رواده يسهو عن طعامه من أجل أن يتملى جمالها. بل إن خدم المطعم أنفسهم وساقية منضدة الشراب كانوا يشعرون إزاءها بهذا الإعجاب إلى أن ينسوا واجباتهم. باختصار، عشتُ خلال فترة معينة وجهاً لوجه، مع ظاهرة حية، كانت تأكل وتلوك، وتلتهم بشهية، وتمضغ، وتبتلع، لكن بشكل أخف وغير مبالية بالناس كثيراً. وأبقتني هكذا زمناً طويلاً في نشوة. وكانت تمتلك طريقة لطيفة، وحالمة، وإنجليزية، وخيالية لتقول: " أنا جائعة! " وتظل تردد هاتين الكلمتين ليل نهارَ كاشفة عن أجمل الأسنان في العالم التي ربما ألانتْ وأبهجتْ قلوبكم في آن ـ فربما قد كوّنتُ ثروتي كاشفاً عنها في المعارض، وحشاً أكولاً لمختلف الأغذية. كنت أغذيها غذاءً جيداً؛ ومع ذلك، فقد غادرتني... ـ بالنسبة لممول الجيش بلا شك؟ ـ شيء ما، مشابه، كناية عن مستخدم في المعتمدية العسكرية الذي ربما يموّل هذه البنت المسكينة من خلال الأرباح غير المشروعة الذي هوخبير بها، على كل حال، ذلك ما افترضته…ـ قال الرابع: أما أنا؛ فقد كابدت عذابات فظيعة على العكس مما يؤاخذ على الأنثى الأنانية عموماً، فأنا أرى أن لا خبر فيكم، وأنكم محظوظون جداً أيها الناس، بتشكيكم من عيوب خليلاتكم". وكان قد تكلم بلهجة قوية ورصينة، رجلٌ لطيف المظهر وجادّ، سحنته تكاد تكون كهنوتية، أضاءتها للأسف، عينان بلون رماديّ فاتح، تقول نظرتهما: " أرغب! "أو" ينبغي! " أو " لا أغفر! " بلى، عصبيّ كعهدي بك أنت يا G ...،نذلان وطائشان كما أنتما الآن، أنتما ـ الاثنين ـ يا K...، و يا J ...،كنتما مقترنين ببعض النساء من معارفي، أوربما تتهربان، أو تموتان. أما أنا فقد نجوت كما ترون. تصوروا شخصاً عاجزاً عن ارتكاب خطإ عاطفي أو حسابي؛ تصوروا صفاءً مكدراً في طبعه؛ وتفانياً من غير تصنع ولا مغالاة؛ ولطافة بلا ضعف؛ وطاقة بلا عنف. تشبه قصة حبي سفراً غير متناه فوق سطح أرض بكر، ومذللةٍ مسالكـُها ومصقولةٍ كمرآة ما، رتيبةٍ بصورة مدوخة، فلعلها كانت تعكس جميع مشاعري وحركاتي بالدقة التهكمية لوعيي الخاص، حتى إنني لم أكن أستطيع أن أبيح لنفسي الإتيان بحركة أو عاطفة غير معقولة دون أن أشعر مباشرة باللوم الصامت لقريني الملازم لي يقرع ضميري . ظل الحب يبدو لي وصية من الوصايا. فكم من حماقات أحالت خليلتي بيني وبين الإتيان بها، وكم أنا نادم على عدم كوني قد ارتكبتها! وكم من ديون أديتُ بالرغم مني! فما فتئت تحرمني من جميع المنافع التي قد أكون استفدتها من جنوني الشخصي. وبقاعدة باردة صارمة لا يمكن تجاوزها، كانت تعرقل نزواتي. وإمعاناً في شناعتها، اعتادت ألا توجب الاعتراف بالماضي. كم من مرة تفاديت أن أنقض عليها صارخاً في وجهها: " فلتكوني غير كاملة يا بئيسة! حتى أتمكن من أن أحبك بدون تضايق وبدون غضب. "أعجبت بها خلال سنوات عديدة، وقلبي مليء حقداً، وأخيراً، فلست أنا الذي فنِيتُ فيها! وتنهد الآخرون:

ـ آه!فهي إذن فانية؟

ـ أجل فلا يمكن أن يستمر ذلك هكذا. فقد أصبح الحب بالنسبة إليّ كابوساً مرهقاً. فإما انتصار، وإما موت، كما يقول الساسة، فكان ذلك، الخيار الذي أخذ القدر يفرضه عليّ! ذات مساء ، في إحدى الغابات...على شط بحيرة...بعد نزهة كئيبة، حيث كانت عيناها تعكسان عليها عذوبة السماء، وحيث كان قلبي منقبضاً في صدري انقباضاً جهنمياً...

ـ ماذا!

ـ كيف!

ـ ماذا تعني؟

كان ذلك لا يمكن اجتنابه. فقد هيمن عليّ شعور أن أنصفها ضرباً، وأن أشتمها، أو أسرّحَ خادماً غير قابل للوم. بيد أنه كان ينبغي الربط بين هذا الشعور الذي كان يوحي إليّ به ذلك الكائن؛ بالتخلص من هذا الكائن دون أن أغمط له حقه من الاحترام. وما عساكم تودون أن أفعل بها،حيث إنها كانت كاملة؟ "

نظر الرفاق الثلاثة الآخرون إلى هذا الرفيق نظرة غامضة بلهاء ، فكأنه متهاون في ألا يفهم، وكأنه قد اعترف ضمنياً أنه كان لا يحس أيضاً بالنسبة إليهم، قادراً على قرار صارم، وإن كان قد شرحه فضلاً عن ذلك، بما فيه الكفاية. ثم أوتي بقنينات خمر جديدة لقتل الوقت المتواطئ مع الحياة القاسية إلى حد ما، ولتسريع وتيرة الحياة التي تمضي ببطء شديد.


43

الرامي الظريف

بما أن العربة كانت تعبر الغابة، فقد أوقفها بجوار مرمىً من المرامي، ويقول إنه قد يسره إطلاق بضع رصاصات لقتل الوقت، أليس قتل ذلك الوحش هو الانشغال الأكثر اعتياداً والأكثر شرعية بالنسبة لكل واحد؟ ـ وقدم يده إلى عزيزته، المرأة الشهية والممقوتة، وإلى تلك المرأة المكتنفة بالأسرار التي يدين لها بكذا من السرور، وكذا من الأحزان الشديدة، وربما أيضاً بجزء كبير من عبقريته.

ضربت الرصاصات العديدة بعيداً عن الهدف البادي للعيان؛ حتى إن واحدة منها قد انغرزت في السقف؛ وبما أن المخلوقة الفاتنة كانت تضحك في جنون، وتستهزئ بعدم مهارة زوجها، فإن ذلك الزوج قد استدار فجأة نحوها فقال لها: " لاحظي تلك اللعبة، فهناك، على اليمين، مَن تشمخ بأنفها إلى السماء، ومن لها هيئة متكبرة جداً. وبعد! فيأيها الملاك العزيز، إِخالُ أن اللعبة هي أنتِ." فأغمض عينيه، وضغط على الزناد. فكانت اللعبة قد قطع رأسها قِطعاً. عندئذ، ينحني نحو عزيزته، وحلوته، وامرأته الممقوتة، وعروس شعره التي لا مفر له منها، العديمة الشفقة، فيقبل يدها في احترام، ويضيف: " آهٍ! ملاكي العزيز، كم أشكركِ لَبِقاً! "

44

العشاء والسحاب

كانت حبيبتي العزيزة المتيمة التي أهيم بها حباً قد قدمت لي العشاء، و من خلال النافذة المفتوحة في قاعة الأكل، أمسيت أتأمل الأشكال المعمارية التي يصنعها الرب بالبخار، والبناءات المذهلة الهلامية، فكنت أقول في نفسي من خلال تأملاتي: " تكاد تكون جميع هذه الخوارق رائعة كأنها عينا حبيبتي الواسعتان، حبيبتي العزيزة المتيمة المخيفة، ذات العينين الخضراوين. " وفجأة، تلقيت لكمة عنيفة على ظهري، فسمعت صوتاً أجش وفاتناً، صوتاً هستيرياً كأنما قد بُحّ من جراء شراب العرق، فالصوت صوت حبيبتي التي أهيم بها، فأنشأت تقول: " ـ هل ستتناول عشاءك عما قليل،أيها الهرطقي اللعين الموسوس بالسحاب؟ "

45

إطلاق النار والمقبرة

قال مرافق نزهتنا في نفسه عند رؤية المقبرة، والملهى الصغير: " تلك اللافتة الوحيدة التي تثير عطشنا وحسناً فعلتْ! بالتأكيد، يعرف صاحب هذا المقهى أن يقدر هوراس وتلاميذ الإبيقور الشعراء. حتى إنه ربما يدرك الحِكَم العميقة لقدماء المصريين،

وحتى لا يكون هناك وليمة دسمة بدون هيكل عظمي، أو بدون رفع شعار قِصَرِ الحياة كيفما كان"

ودخل، فشرب كأساً من البيرة إزاء القبور، ودخن ببطء سيجاراً. ثم جذبه خياله ليهبط به في تلك المقبرة التي كان عشبها مرتفعاً ومغرياً إلى هذا الحد، والذي كانت تسود فيه شمس ساطعة إلى حدما.

وفي الواقع؛ فإن الشمس والنور أخذا يهجمان عليه هجوماً شديداً، فكأنما الشمس المنتشية كانت تتمرغ بكاملها في سجاد من الأزهار الرائعة المسمدة بالهلاك. أخذ هدير من الحياة يملأ الجو ،ـ حياة صِغار للغاية ـ المتقاطع في فواصل منتظمة بطقطقات الضرب بالنار من مرمىً مجاور، وكانت تتفجر مثل فرقعة سدادة من زجاجة الشمبانيا في دندنتها السيمفونية تُعزف سراً.

حينئذ، وتحت أشعة الشمس التي أخذت تسخّن له مخه، وفي جو مفعم بعطور الموت الحيوية، أصغى إلى صوت يهمس من تحت القبر الذي كان قد جلس فوقه، فكان ذلك الصوت يقول: " أيها المشاغبون الأحياء، يامن لا تكادون تهتمون بالموتى وبراحتهم السماوية، ملعونة مطامحكم، وملعونة حساباتكم، أيها البشر المتلهفون، يا من درستم بعد قليل، فن القتل أمام حرم الموت، لو تعلمون كم هو سهل أن تصيبوا الهدف، وكم كل شيء بعد ذلك عدمٌ باستثناء الموت، لما أتعبتم كثيراً أنفسكم أيها الأحياء الكدودون، ولما أزعجتم في قليل من الأحيان، نوم أولئك الذين جعلوا من مقصدهم، مقصدهم الحقيقي الوحيد، احتقار الحياة.


46

سقوط هالة المجد

يا هذا! عجباً! أنت هنا يا عزيزي؟ أنت، في ماخور! أنت، يا شارب الأثير! أنت يا منتعشاً برحيق الآلهة! الحقيقة أن هناك ما يفاجئني.

ـ عزيزي، أنت تعرف خوفي من الخيول والعربات. وبما أنني كنت أجتاز الشارع بعد قليل، في سرعة هائلة، وأنني كنت أتوثب في الأوحال عبر هذه الفوضى المبلبلة التي يحدث فيها الموت سريعاً من جميع الجوانب في آن، فإن هالة مجدي قد انزلقت من رأسي في حركة مفاجئة، لتسقط في حمأة ترصيف الطريق بالحصباء، فلم تكن لي شجاعة في إزالتها. ارتأيتُ أن أقل انزعاج لي، أن أضع شارتي خير من أعمد إلى كسر عظامي. وبعد؛ فقد قلتُ في نفسي: رب شؤم يتضمن منفعة، وها أنذا أستطيع أن أتنزه سراً، واقوم بأعمال دنيئة، وأستسلم للفجور مثل البشر العاديين، وهاأنا، مشابه لك تماماً كما ترى.

ـ ستقوم ،على الأقل، بلصق إعلان عن ضياع تلك الهالة أو تصرح بضياعها لدى مفوض الشرطة.

ـ أكيد! بل إنني أجدني ههنا، فأنت وحدك، أنت قد استكشفتني، أضف إلى ذلك، أن عزة النفس تؤرقني، ثم إنني أعتقد بابتهاج، أن بعض الشعراء الرديئين سيجمع هالة المجد، ويتزين بها دون حياء. إيجاد امرئ سعيد، ياله من متعة! وخصوصاً أن إنساناً سعيداً سيضحكني! فكـّرْ في س أوفي ي فواعجباًَ كم سيكون ذلك مضحكاًََ!
47

مدموازيل بيسوري

بما أنني كنت أواصل سيري قادماً من أقصى أرياض المدينة، وعلى لمعان الغاز؛ فإنني قد أحسستُ بساعد يلتصق بساعدي في لطف، ثم سمعت صوتاً أخذ يهمس في أذني: " هل أنت طبيب يا سيدي؟ "تأملتُ، فإذا هي فتاة ناعس، متينة البنية، نجلاء العينين، كحلتهما كحلا خفيفاً، يتماوج شعرها في الهواء مع شرائط قبعتها.

" - كلا: لستُ طبيباً، فدعيني أمـرّ. "ـ يا لك من مُنكر! بلى! إنك طبيب، فأنا متيقنة من ذلك يقيناً، فتعال إلى بيتي، وستُعْجَبُ بي، هيّا!"

ـ بلا ريب، سأزورك، لكنْ بعد فرية الطبيب، ويا للعجب!
ـ أهّاه! أنت طبيب مزّاح، أعرف العديد من الدكاترة من هذا النوع، تعال.

أحب اللغز شغفا، لأن الأمل ظل يخالجني في حله. فجعلْتـُني منقاداً إلى هذه الرفيقة أسايرها، أو بالأحرى، منقاداً إلى هذا اللغز غير المأمول حله. غاضيتُ عن وصف الكوخ الحقير، إذ يمكن أن يجده المرء عند العديد من قدماء الشعراء الفرنسيين الفطاحل المشهورين، وبالخصوص، في تفاصيل لم يكشف عنها الشاعر ماتوران رينييه، وفي اثنتين أو ثلاث صور نصفية للدكاترة المشاهير، لا تزال معلقة على جدرانها.

لـَكـَمْ كنـتُ مدللاً! نار متقدة اتقاداً، نبيذ ساخن، وسجائر، وأنشأت المخلوقة المهرجة تقول لي؛ وهي تقدم إليّ تلك الأشياء الجديدة، وتشعل لي هي بالذات، سيجارة: " البيت بيتك، يا صديقي، خذ راحتك. إن هذا سيذكرك بالمستشفى، والأيام الغابرة لشبابك ـ عجباً! فمن أين كسبتَ هذا الشعر الأبيض؟ إنك لم تكن هكذا، ولم يمض بعد إلا زمن يسير، لما كنتَ داخلياً في الـ...أتذكر أنك أنت الذي كنت تحضر في العمليات الخطيرة. تباً له من رجل يحب أن يبتر، ويفصل، ويقضم! لقد كنتَ تمد له الأدوات، والخيوط، والإسفنجات. وبما أنه كان يقول في غرور؛ والعملية حاصلة، ناظراً إلى ساعته: " خمس دقائق ليس إلا، يا سيـدي" .

بعد بضع لحظات؛ وهي تخاطبني بضمير المخاطب المفرد ـ رافعة الكلفة بيننا ـ شرعت تكرر على مسمعي مجدداً لازمتها وتقول:"هل أنت طبيب، أليس كذلك يا عزيزي؟"

أزعجتني هذه اللازمة المبهمة، وكنت أصرخ حانقاً: "كـلاّ! "

ـ إذن؛ فأنت جراح؟

ـ كلا، ثم كلا ! إلاّ إذا لم يكن ذلك سوى من أجل قطع رأسك! يا كأس القربان المقدس للقوادة القدّيسة!

استأنفتْ: ـ أنتظر، سترى.

وسحبتْ من خزانة، إضبارة من الأوراق، لم تكن شيئاً آخر سوى الجمع لصور الأطباء المشاهير النصفية، لذلك العهد، طَبعُها بمطبعة حجرية موران، وقد أمكن للمرء رؤيتُها في كي فولتير، خلال عدة أعوام.

" عجباً!هل كنت تعرف هذا؟ "

ـ نعم إنه " ٍٍٍٍِِِِِس" ، ومع ذلك، فاسمه تحت الصورة، بيد أنني أعرفه شخصياً. ـ كنت أعلم ذلك حق العلم! عجبا؛ فهاهو" ي"، وهو الذي مافتئ يقول لقائـد السفينة متحدثا عن" س" : هذا الوحش الذي يحمل في وجهه اسوداد نفسه! " وكل ذلك، لأن الآخر، لم يكن في رأيه، ليحشر أنفه في نفس القضية! ولكم كنا نضحك من ذلك في المدرسة عهد ذاك! هل تتذكر ذلك؟ ـ أنظرْ، هاهو ذلك الذي كان يبلّغ الحكومة عن المتمردين الذين كانوا يعـَالـَجون في مستشفاه. كان ذلك في عهد الهياج الشعبي، وكيف، فهل ممكن أن يكون لدى شاب وسيم الطلعة، قليلٌ من الرحمة؟ ها هو الآن طبيب إنجليـزي شهير، لقيتُه في سفره إلى باريس. إن له سمــة فتــاة يانعة، أليس كذلك؟ "

وحيث إنني قد تلقيت منها علبة محزومة وُضِعَتْ كذلك على طاولة مستديرة واقفة على ساق واحدة- اسكملة - ؛ فقد قالت:" انتظرْ قليلاً، فهذه الصورة، هي للتلاميذ الداخليين، وتلك العلبة للتلاميذ الخارجيين" . ونشرت صوراً فوتوغرافية كثيرة، على شكل مروحية مفتوحة، تمثل وجوهاً أكثر شباباً.

" عندما نتعاشر، ستطلب لي صورتك النصفية، أليس كذلك ياعزيزي؟ " أما أنا؛ فقدقلتُ لها، متابعاً بدوري أيضاً، فكرتي الثابتة." لماذا تحسبينني طبيباً؟ "

ـ لأنك ظريف، وميّال إلى النساء.

قلت ُلنفسي بالذات: ـ ياله من منطق غريب!

ـ أوه! قلما أشك في ذلك ، إنني أعرف عدداً كبيراً منهم.
أحب كثيراً أولئك السادة الذين أزورهم أحياناً، مع أنني لست مريضة على الإطلاق؛ بل فيهم آخرون يتفهمونني، لأنني أهش إليهم.

ـ وعندما لا يتفهمون؟

ـ طبعاً! وبما أنني أزعجتُهم عبثاً؛ فإنني أترك عشرة فرنكات على الموقد؛ فما اجمل أولئك الرجال وأحلاهم!

لقد اكتشفت في الرحمة ولداً داخلياً، جميلاً كملاك، ومؤدّباً! ويشتغل الولد المسكين!

قال لي أصدقاؤه إنه لم يملك النقود، لأن أقاربه فقراء، لا يستطيعون أن يبعثوا له شيئاً. لقد طمأنني ذلك.

بعد كل شئ؛ فأنا امرأة جميلة بما فيه الكفاية، بالرغم من أنني لستُ جدّ شابة.

لقد قلتُ له: " تعال لزيارتي، تعال لزيارتي مراراً؛ فمعي: لا تتضايقُ؛ فإنني لستُ محتاجة إلى النقود" .

لكنك تعلم أنني أفهمتـُه ذلك من خلال مجموعة من الطرق، فلم أقل له كل شيء دون مراعاة المقام؛ بل كنت أخشى إذلاله؛ فيا عجباً لذلك الطفل العزيز! وبعد! أفتظن أنني أملك رغبة شاذة لا أتجرأ على البوح بها؟ تمنيتُ لو جاء لزيارتي بحقيبته وردائه الطبي؛ ولو بصحبة قليل من [ بقع] الدم فوق ردائه! "

قالت ذلك بشكل جد بريئ، كأنها رجل رهيف الإحساس، قد يقول لممثلة ربما يحبها: " أريد أن أراك مرتدية البذلة التي كنت ترتدينها في ذلك الدور الذي مثلتِه لأول مرة" .

أما أنا؛ فاستأنفتُ القول متماحكاً:" هل تستطيعين أن تنكري الزمن والمناسبة اللذين تولدت فيهما هذه العاطفة الغريبة إلى هذا الحد، في نفسك؟ "

أفهمت نفسي بصعوبة؛ أخيراً توقعت ذلك. إلاّ أنها حينئذ أجابتني بشكل جد كئيب؛ بل بمقدار ما أستطيع أن أتذكره، محوّلة عينيها: " لا أدري...لا أتذكر". أيّ غرابة لا يجدها المرء في مدينة كبيرة، عندما يعرف أن يتنزه، وأن ينظر؟ إن الحياة لتزدحم بالوحوش البريئة".

إلهي! رباه! أنت الخالق، أنت الفعال لمايريد، أنت يامن أبدعت القانون والحرية، أنت العليّ، يا من يتغاضى عن آثامنا، أنت يا من تغفر، أنت فياض بالحوافز، والأسباب، وأنت يا من عساك وضعت في عقلي ذوق الرعب لتهدي فلبي شفاءً على طرف نصل إلهي، الرحمة لك؛ فارحم المجانين والمجنونات! أيها الخالق! أيمكن أن توجد وحوش حسب تقويم في عينَيْ ذاك الذي يعلم لماذا توجد، وكيف خُلقتْ، وكيف أمكن الآّ تُخلق؟




48

أخيراً...أينما شئت خارج العالم

ANY WHERE OUT OF THE WORLD

N’IMPRTE OU HORS DU MONDE

هذه الحياة عبارة عن مستشفىً ينشد فيه كل مريض تغيير سريره، فهذا المريض ربما يرغب في أن يكابد آلامه بجانب المدفأة، وذاك الآخر يعتقد أنه سوف يعافى أمام النافذة. أما أنا؛ فيبدو لي أنني سوف أكون دائماً على أحسن حال وعافية هناك في المكان الذي لست موجوداً فيه الآن، فمسألة الرحيل هذه ،من المسائل التي ما برحتُ أناقشها مع نفسي. " يا نفسي نبئيني، يا نفساً بئيسةً فاترة، ما ترين في أن نتخذ لنا من لشبونة مسكناً، فلا بد أن جوها حار، وقد تنتعشين هناك، مثل عظاءة زاحفة، فتلك المدينة تقع على شاطئ البحر، ويقال إنها مبنية بالمرمر، وإن سكانها ينفرون من النبات، حتى إنهم يجتثون جميع الأشجار، فذلك منظر يلائم ذوقك، منظر خـُلق من النور والمعدن، ومن الماء ليعكسهما عليه. نفسي لاتجيب. وبما أنك تحبين الراحة حباً جماً، مع مشاهدة حركة الأشياء، أفلا ترغبين في أن نقطن بـ هولندة، تلك الأرض السعيدة، فربما تتسلين في هذا القطر الذي أعجبتُ غالباً بصورته في المتاحف، فما عساكِ ترين في روتردام، وأنت التي تحبين عدداً من الصواري والسفن المربوطة بالفلش، الجاثمة أسفل الدور؟"

...وتظل نفسي صامتة.

"وباتافيا، فربما تعجبك أشد الإعجاب، وقد نجد فيها، علاوة على ذلك، الروح الأوروبية المقترنة بالجمال المداري." ولاهي فاهت بكلمة، ـ فهل تكون قد ماتت؟ "هل بلغتِ في شأنكِ ما بلغتِ، إلى هذه الدرجة من فتور الهمة، حتى إنه لا يطيب لك شيء إلا في مرتبة من مراتبك الأمّارة بالسوء، فإذا كان الأمر هكذا، فلنهربْ نحو البلدان التي لها ارتباطات مماثلة بالموت. ـ " إنني أملك زمام أمرنا، أيتها النفس البئيسة! سنذهب للرحيل إلى طورينو. فلنذهب أبعد من ذلك، إلى أقصى أطراف البلطيق؛ بل إلى أبعد مدىً من الحياة، إذا كان ذلك ممكناً؛ فلنستقر في القطب الشمالي. هناك الشمس لا تغازل الأرض بقرونها، ذلك النصف من العدم، إلا عند ميلانها، فتلغي تعاقبات الليل والنهار طويلة المدى، ،فتذكي الإحساس بالرتابة. هنالك سيمكننا أن نستحم طويلاً في الظلمات في حين سيطوقنا الفجر القطبي، من أجل تسليتنا من حين لآخر، بحزام من الأضواء الوردية، كأنها أسهم نارية انطلقت من جهنم! " وأخيراً تنفجر نفسي فتوبخني في أدب جم: " أينما شئت،أينما شئت، شريطة أن يكون خارج هذا العالم! "

49

لنصرع الفقراء

كنت قد حبست نفسي في غرفة خلال خمسة عشر يوماً، وكنت محاطاً بكتب، على العادة الجارية في ذلك العصر،) لقد مضت ست أوسبع عشرة سنة( أريد أن أتحدث عن الكتب التي عولج فيها فن جعل الناس سعداء، حكماء، وأغنياء في أربع وعشرين ساعة. فقد كنت استوعبت هضماًـ أعني ابتلعت تلقياًـ جميع محاولات أولئك الباحثين الجادة الملتزمين بالسعادة العامة ، ـ ومحاولات أولئك الذين ينصحون جميع الفقراء بأن يجعلوا من أنفسهم عبيداً، ومحاولات أولئك الذين يقنعونهم بأنهم ملوك بلا عروش ـ لن يجد المرء مفاجئاً أنني كنت أوجد حينذاك في حال عقلية تقارب حال الإصابة بالدوار أو الغباوة.

وكان يبدو لي على الأقل، أنني مازلت أحس، وأنا محبوس في قرارة عقلي، بالإرهاص المظلم ينبئ عن فكرة سامية تجمع كل النماذج للمرأة المسنة التي كنت قد تصفحت عنها المعجم حديثاً. بيد أن ذلك ليس سوى الهاجس لفكرة ما، ولشيء ما، غامض للغاية.

وخرجت أعاني من تلهف شديد. ذلك أن الميل الانفعالي للقراءات الرديئة يسبب احتياجاً إلى هواء طلق نسبياً ومرطبات.

وحيث إنني سوف أدخل أحد الكباريهات، فقد مد إليّ سائل معوز قبعته مشفوعة بنظرة من تلك النظرات غير القابلة للنسيان التي قد تزعزع العروش، لو كانت الروح تحرك المادة، و لو كانت عين المنوم المغناطيسي تنضج الأعناب. وفي ذات الوقت، سمعت صوتاً يهمس في أذني، صوتاً عرفته جيداً؛ كان صوتاً موجهاً للخير، أو صوت نفس مطمئنة ترافقني في كل مكان حيث إن سقراط كانت له نفسه اللوامة، فلماذا لاتكون لي نفسي المظمئنة الموجهة للخير، ولماذا لايكون لي شرف الحصول على شهادة الحمق مثل سقراط، موقعة من قِبَل ليلو الحاذق، ومن بايارجيه الماهر؟ يوجد فرق بين نفس سقراط اللوامة وبين نفسي المطمئنة، مع أن لوامة سقراط كانت لاتظهر إلامن أجل الدفاع، والتحذير، والحيلولة دون وقوع أمر ما، وأما مطمئنتي؛ فهي تتفضل بالنصح، والإرشاد، والاقتراح، والإقناع.

لم يكن لذلك الـسقراط المسكين سوى نفس واحدة لوامة محرمة للأشياء، أما مطمئنتي فهي مُحِلـّة عظيمة، فمطمئنتي هي نفس عملية، أو نفس كفاحية. بيد أن صوتها كان يهتف إليّ هامساً بما يلي:" ذلك وحده هو المساوي لآخر فيثبته، وذاك وحده جدير بالحرية، فيعرف الفوز بها."

قفزتُ مباشرة على المتسول، وبضربة واحدة من قبضة اليد ورّمتُ له عيناً، فأصبحتْ في ثانية واحدة غليظة كالكرة. وكسرتُ ظفراً من أظافري لأكسّر له سنين اثنتين، وحيث إنني لم أشعر أنني قوي جداً، لكوني ولدت رهيفاً، وكوني قد مارست ممارسة قليلة رياضة الملاكمة، ولكي أصارع ذلك العجوز سريعاً، فإنني أخذت بتلابيبه بيد حول ياقة ثيابه، وباليد الأخرى لاكمتُه، بضربة على الحنجرة، ثم عمدت إلى رجّ رأسه مقابل جدار رجاً عنيفاً. فعليّ أن أعترف بادئَ بدْءٍ بأنني كنت قد راقبت ماحولي ينظرة، وقد تحققت أنني كنت أتواجد لوقت طويل جداً خارج نطاق مراقبة أي رجل شرطة، في تلك الضاحية الخالية. ثم من خلال ركلة منطلقة جد قوية على ظهره لكسر راسليه، وجد هذا العجوز الستيني الموهن، صريعاً، فاستوليت على غصن شجرة غليظ مسترسل على الأرض، وضربته بقوة، ضربة متواصلة مثل ضربة طباخين يودون تليين قطعة لحم بيفتاك.

وفجـأة ـ يالها من معجزة! ويالها من متعة الفيلسوف الذي يثبت جودة نظريته! ـ رأيت ذلك الهيكل المهترئ يستدير، ويصلح من شأنه بطاقةٍ لم أكن أبداً أرتاب فيها داخل ماكنة معطلة تعطيلاً تاماً، فانقض عليّ اللص المتهدم بنظرة حقد بدت لي بشارة خير، وورّم لي عينيّ الاثنتين، وكسر لي أربعة أسنان، ثم ضربني بغصن نفس الشجرة بقوة كمن يدق الجبص ـ فمن خلال معالجتي الفعالة، أعدت إليه كبرياءه وحياته. عندئذ، لمّحت له، كي أفهمه أنني قد أعتبر أن المناقشة منتهية، ولما نهضت بقناعة سفسطائي المدرسة الوراقية، قلت له: " سيدي، أنت نِدّلي! ألا فلتتفضل وتشرفني باقتسام نقودي معي؛ قتذكّرْـ إذا كنت حقاً محباً للإ نسان ـ أنه ينبغي أن تطبق على جميع زملائك النظرية التي تألمتُ بأن أجريها على ظهرك، عندما يطلبون منك الإحسان." أقسم لي الأيمان المغلظة: إنه كان قد فهم نظريتي، وإنه سوف يذعن لنصائحي.

50

الكلاب الجيدة*

إلى جوزيف ستيفنز.

لم أخجل أبداً؛ ولو أمام كُتاب العصر الشباب، من تحمسي لـ كونت بوفون؛ بيد أن روح هذا الرسام للطبيعة، ليست هي التي سأدعوها اليوم لتساعدني، كلا. أود أن أتوجه بكل طواعية الى “ستيرن” ، فأقول له: " انزل من السماء أو اصعد إليّ في " مقامات الأبرار ” ، لتُلهمني إكراماً للكلاب الجيدة، والكلاب البئيسة،أنشودةً جديرة ًبك ، يا مضحكاً رقيق العاطفة، ويا مضحكاً لا مثيل له !

عدْ إلى هذا الحمار الذائع الصيت الذي يرافقك دائما عبر ذاكرة الأجيال القادمة، عد إليه منفرج الساقين راكباً؛ و خصوصاً أن ذلك الحمار، لا ينسى أن يحمل قرص حلواه الخالدة المعلقة بين شدقيه بمهارة! يا ربة الإبداع الأكاديمية المتخلفة! ليس لديّ ما أصنع بهذه العجوز المتزمتة.

أتضرع إلى ربة الشعر الأليفة ، المدينية القوية، كي تساعدني على مدح الكلاب الجيدة، والكلاب البئيسة ، والكلاب الملوثة، تلك الكلاب التي يُفردها كل واحد من بني البشر، إفراد الكائن الموبوء والمقمّل، باستثناء الإنسان الفقير؛ فهي من شركائه، والشاعر؛ فهو ينظر إليها بعين خوية. ٍف من الكلب المتجامل، من ذلك المغرور الذي يمشي على أربع، ومن ذلك الكلب الدانماركي، ومن الكلب كينغ تشارلز، والكلب كارلان، أو غرودان المفتون هو الآخر بنفسه ، فيُتوْثِبُ بلا احتياط، على ساقي أو ركبتي الزائر، كأنه على يقين، من إعجاب ذلك الزائر به، صاخبٌ كأنه طفل، غبيّ كأنه غادة مُسْتـهتَرة، شكِسٌ أحيانا ًووقِح كأنه خادم ! أُفٍّ من هذه الثعابين الخبيثة خصوصاً ما يمشي منها على أربع، والمرتعدة العاطلة،وما يسمى بالكلبات السلوقية، التي لايوجد في فنطاسها المستدق، حتى مايكفي من الشم لمتابعة أثر صديق، ولا في رأسها المسطح ، مايكفي من الفطنة لممارسة لعبة “دومنو” فإلى مأوى الكلاب، المفجوعة، بكل هذه الكلاب المتعبة الطفيلية! ولترجع الكلاب إلى دارها الحريرية المفروشة بالسجاد! أنا أمدح الكلب الملوث، والكلب البئيس، والكلب الذي لا مأوى له، والكلب المتسكع، والكلب المهرج، والكلب الذي غريزته مثل غريزة الإنسان البئيس، والبوهيمي والممثل الرديء، فهو تحرضه الضرورة على نحو رائع، تلك الأم الطيبة بهذا القدر، مولاة الفِطَن الحقيقية! أثني على الكلاب المفجوعة، سواء تلك الكلاب التي تتيه بمفردها، في مجاري سيول التربة المنعرجة بالمدن الهائلة، أوتلك الكلاب التي قالت للإنسان المنبوذ، بعيون غامزة وخبيثة: “ خذني معك، فلربما من بؤسينا الاثنين ، نخلق نوعاً من السعادة! " وقديماً كان "ناسطورروكبلان “يقول في رواية خالدة ، نسيَها بلا ريب ، فأنا وحدي ، و” سانت بوف ”ربما مازلنا نتذكرها اليوم:"لى أين تذهب الكلاب ؟ ". قولوا لي أيها البشر القليلو الحذر، إلى أين تذهب الكلاب؟ إلى موعد شؤونها، وموعد ممارسة حبها. تذهب وتجيئ، عبر الضباب، وعبر الجليد، وعبر البراز، وعبر القيظ اللاسع، وتحت المطر الوابل، تنطط ، وتمر تحت العربات، ُتهيّجها البراغيث، مثلَنا، وتبحث عن عيشها، أو تجري إلى شهواتها، ومنها ما يرقد في إحدى الخِرَب، بأرباض المدينة، فيأتي كل يوم، في الساعة المحددة، ليطلب الهبة على أعتاب باب مطبخ القصــر الملكي؛ وتهرع كلاب أخرى جماعاتٍ، أكثرَمن خمسة فراسخ، من أجل اقتسام الأكل الذي تهيئه لها تصدّقاً، بعض النساء الستينيات اللائي لم يمسسهن بشر، واللائي قلبُهن خال من أغراض الدنيا، ومكرس للحيوان، ذلك أن البشر الأغبياء لا يرغبون في تلك الحيوانات … وكلاب أخرى ، كأنها عبيد آبقون، ُجنتْ حباً، تهاجر لبضعة أيام، مفاطعتها الإقليمية للقدوم إلى المدينة، والقفز خلال ساعة ، على كلبة جميلة، مهملة قليلاً في زينتها، لكنها مزهوة وشاكرة للجميل. وتلك الكلاب، جميعها طبق الأصل تماماً، بدون بطاقة، ولا ملاحظات على الهوية، ولا حافظات أوراق.

أتعرفون ” بلجيكا “ المتكاسلة، أوَ تُعجَبون مثلي بجميع هذه الكلاب القوية المشدودة إلى عربة الجزار، وعربة اللّبانة، أو عربة الفرّان، والشاهدة من خلال نباحاتها الظافرة، على متعة الاشتهاء المتغطرس، الذي تجرب أن تنافس به الجياد؟

فها هما اثنان منها ينتميان إلى طبقة لا تزال متمدنة! اسمحوا لي أن أُدخلكم إلى غرفة المهرج الغائب. هناك سرير من خشب مطليّ بلا ستارة، وبطانيات منسحبة على الأرض، وملطخة بدم البق، وكرسيان من التبن، ومقلاة من حديد منصهر، وأداة أو أداتان موسيقيتان معطلتان. فيا له من أثاث كئيب! لكن انظروا، أرجوكم، إلى ذينك الشخصين الذكيين اللابسَيْن ثياباً مفتقة وفاخرة في آن، معتمرين رأسيهما بالقبعات كشعراء “ تروبادور"، أو كجنود، يحرسون بانتباه السحرةِ، العملَ الإبداعي الغُفل من الاسم الذي يُطبَخ على مِقلاة موقدة ، والذي تنتصب في وسطه ملعقة طويلة مغروسة كإحدى هذه السواري الهوائية التي تؤذن بأن البناء قد انتهى . أوَليس صحيحاً أن هؤلا ءالممثلين المتحمسين لا ينطلقون دون كونهم قد أثقلوا معد تهم بطعام فعال وقوي؟ أوَلا تسمحون بشيء من الشبقية لهؤلاء الرجال المساكين الذين إنّ عليهم أن يجابهوا كل يوم، عدم مبالاة الجمهور، وجور مدير يتعود على الحصة الكبرى فيتناول لوحده من الطعام ، حصةَ ما يتناوله أربعة ممثلين ؟ كم من مرة تأملتُ مبتسماً وملاطفاً، هؤلاء الفلاسفة جميعَهمَْ ذوي أربع قوائم، الأرقاء المجاملين المطيعين والأوفياء، الذين قد يستطيع المعجم الجمهوري أيضاً أن يصفهم بـ شبه رسميين، لو كانت الجمهورية، مشغولة جداً بـ سعادة البشر، وكان لها الوقت الكافي لتدبّر شرف الكلاب.

وكم من مرة اعتقدتُ أنه ربما يوجد هناك، مكان ما، ) من يدري، بعد كل ماجرى (، لمكافأة هذا القدر من الشجاعة، وهذا القدر من الصبر والكد، بفردوس خاص بالكلاب الجيدة ، والكلاب البئيسة، والكلاب الملوثة والمهجورة. ويؤكد سويدنبورغ يقيناً أنه يوجد من ذلك، فردوس واحد للأ تراك وواحد للهولنديين !

كانت القصائد الرعوية للشاعر اللاتيني فيرجيل، ورعويات تيوكريت اليوناني، تنتظر مكانة مرموقة، وناياً من أمهر الصناع، أو ماعزةً حلوباً ذات ضرع منتفخ، ثمناً لأناشيدهما المتعاقبة. فالشاعر الذي مدح الكلاب البئيسة، قد تلقى مكافأة ً له ، صدرية رائعة ذات لون فاخر وباهت في أن، تذكرنا بشموس الخريف، وبجمال النساء الناضجات ومواسم ” صيف سان مارتان “. لا أحد من أولئك الذين كانوا حاضرين في نزل شارع ” فيللا هيرموزا “سينسى ، مهما كان نزِقا،ً الرسام وقد انسلخ من صدريته لصالح الشاعر، مادام قد فهم جيداً أنه كان طيباً ومستقيماً في مدحه الكلاب البئيسة كأنه طاغية إيطالي عجيب، فقد كانت اللحظة المستحبة توفر للشاعر الرباني أرتيان، إما خنجراً مرصعاً بالأحجار الكريمة، وإما معطف المحكمة، وذلك مبادلةً بقصيدة نفيسة أوبقصيدة تهكمية. وكلما ارتدى الشاعر صدرية الرسام، إلا وُيجَبر على أن يفكر في الكلاب الفلاسفة، وفي مواسم صيف سان مارتان، وجمال النساء الناضجات جداً.



* [ Bénédicta باللاتينية]،bénie: مباركة

* تبدو سخرية بودلير واضحة فيما آلت إليه ثورة 1848 مع أنه عاش فترة قصيرة منذ اتقاد الحماس الجمهوري.

* Sensitive كما جاء في النص البودليري وتعرف أيضا ب Mimosa: نبتة حساسة تنقبض أوراقها بمجرد اللمس.وبالعربية: سُنـْط

** Minerve: إلهة الحكمة والعلم عند اللآتينيين.

*** انظر الزوجة الباردة القصيدة 36.

* آخر قصيدة من ديوان:

* Le Spleen de Paris/ Petits poèmes en pros . C. Baudelaire.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق