الاثنين، 22 مارس 2010

بودلير

المقامر السخي

أحسستُ أمس بكائن خفي يحتكّ بي عبر حشود المارة بالشارع، كنتُ دائماً أتشوق إلى معرفته، وقد عرفتُه على التو؛ ولو أنني لم أره قبل ذلك. أما هو؛ فمازال ينتابه تشوق مماثـل، فيما يتعلق بي. وفي الواقع، رمش إليّ من طرف خفيّ؛ وهو يمر، رمشة ذات مغزىً سارعتُ إلى الإذعان إليها، تتبعتُه بانتباه، وسرعان ما انحدرتُ وراءه نحو بهو تحت الأرض، فاتن، يشع فيه ترفٌ ربما لا يستطيع أي بيت من البيوتات الراقيات في باريس أن يتجهز بمثال يقاربه. بدا لي غريباً أنني قد مررتُ أحيانا كثيرة، بجانب هذا الوكر المدهش دون أن أهتديَ إلى مدخله. وما انفكّ يسود فيه جو ودّي، ومع أنه خلاب؛ فهو يكاد ينسيك فورا، كل أهوال الحياة المُضْجِرة، ويظل المرء يتنسم فيه غبطة كئيبة شبيهة بالغبطة التي استمر يكابدها الآكلون من وردة النيل لمّا أحسوا؛ وهم ينزلون في جزيرة مسحورة، مضاءة بشموس ِ هاجرة ٍ أبدية، لمّا أحسوا تتولد فيهم الرغبة، برقرقات شلاّلات رخيمة مهدهدة، في ألاّ يعودوا أبداً إلى آلهة مساكنهم وأولادهم، وألاّ يصعدوا مجدّداً فوق الأمواج العالية للبحار.

كان في الوكر وجوه رجال ونساء غرباء، موسومون بجمال أخّاذ؛ وإن كان يبدو لي أنني قد رأيتُهم بعد، في عهود وبلدان ما زال مستحيلاً عليّ أن أتذكرها تماماً، وبالأحرى، كانت تلك الوجوه تلهمني ودّاً أخوياً يولدُه هذا القلق عادة في صورة المجهول. فلو حاولت أن أحدد تعبير نظراتهم غير العاديّة، بأي وسيلة من الوسائل، لقلت إنني لم أر أبداً تلك العيون تتلألأ تلألؤاً من جراء هول الملل، والحرص الدائم على الإحساس بالعيش.

أكلنا وشربنا بإفراط،، من جميع أنواع الأنبذة الممتازة. وكان يبدو لي، بعد ساعات عديدة، أن الشَّمول مازالت تذهب به، أكثر مما ذهبت بي، الشيء الذي يكاد يكون غير عاديّ، والحال أن لعبة القمار، تلك اللعبة الفوق طاقة البشر، كانت تتخلل في مختلف فترات الاستراحة إسرافنا المتكرر في اغتباق الراح، ولابد أن أقول إنني قامرتُ فضيعتُ روحي باتباع شروط وآداب الكسب، من أجل الكسب وباستهتار وحماقة متهورين. فالروح شيء غير ملموس، وفي الغالب، غير مفيدة، وأحياناً مزعجة؛ وإن لم أكابد بالنسبة لهذه الخسارة التي مُنيتُ بها سوى أقل تأثير من ذلك التأثير الذي أكابده لو ضيعتُ في نزهة، بطاقة زيارتي.

دخنّا طويلاً بضعة سيجارات من نوع السيجار، نكهته وعطره، لا مثيل لهما، كانا يبثان في النفس حنيناً وتوقاً إلى البلدان، وإلى فرص السعادة المجهولة. لقد تجرأتُ لما انتشيتُ بكل هذه المباهج، على التمهيد للألفة بيننا؛ ولم يبد له ذلك التمهيد مزعجاً، فصرختُ مستولياً على كأس مليئة حتى الثمالة: " على نخبك الخالد، أيها الشيطان العجوز! "

تحدثنا كثيراً عن الكون ونشأته، وفنائه المقبل، والفلسفة الشاغلة للعصر،أعني فلسفة التقدم والاكتمالية، وعلى العموم، تحدثنا عن جميع أشكال التبجح البشري، وحول هذا الموضوع بالذات، لم ينضب معين الشيطان الرجيم من المفاكهات الخفيفة التي يتعذر بعضها، وكان يُبين عن أمهات أفكاره، بلطافة إلقاء، وبهدوء في طرافة، لم أعهدهما في أي واحد من أشهر المحدثين في الإنسانية. فقد شرح لي لامعقولية مختلف الفلسفات التي كانت حتى الآن، تهيمن على العقل البشري؛ بل تفضل الرجيم ليُسرّ إليّ ببعض المبادئ الأساسية التي لا يلائمني أن أقتسم فوائدها وملكيتها مع أي كان. ولم يشتك بأي حال من الأحوال، من سوء السمعة التي يتمتع بها في جميع أجزاء المعمور، بل أكد لي أنه كان هو بالذات الشخص الأكثر اهتماماً بتخريب الخرافات ودحضها، فاعترف لي أنه لم يخش نسبياً على سلطانه، إلا مرة واحدة، وكان ذلك يوم سمع فيه واعظا من أمهر الزملاء الوعاظ يصيح من أعلى المنبر: " إخواني الأعزاء، لا تنسوا أبداً عندما تسمعون تمجيد الناس لتقدّم المعارف، أن أبرع مكائد الشيطان، هو أن يُقنعكم بأن ذلك التقدم لا يوجد". قادنا ذكر هذا الخطيب الشهير، بطبيعة الحال، إلى موضوع الأكاديميات، فأكد لي مضيفي الغريب أنه كان لا يأنف في كثير من الأحوال من أن يلهم قلم وكلام وضمير المربي تعاليمه، وأنه يكاد يحضر بنفسه، في جميع المناقشات الأكاديمية؛ وإن كان لا يدرى شخصه ورسمه. ولما شجعتني طيبوبته المفرطة على الكلام، سألته عن أخبار الله، وهل رآه هذه الأيام الأخيرة، فأجابني بعدم اكتراث مشوب ببعض الحزن: " إننا نتبادل التحية عندما نلتقي، بيد أننا كـنبيلين راسخين في النبالة، قد لا تستطيع لباقة فطرية أن تخمد فينا كليا ذكرى أحقاد قديمة".

يصعب التصديق أبداً أن الشيطان الرجيم قد خص شخصاً عادياً بجلسة طويلة، وقد خشِيتُ أن أنخدع بتلك الطيبوبة المفرطة. وأخيراً، شرع، كالفجر المرتعش، يخطط يباضاً على زجاجات النوافذ... قالت لي هذه الشخصية الشهيرة التي تغنى بها كثير من الشعراء، وخدمها كثير من الفلاسفة الذين يشتغلون على تمجيدها دون معرفتها: " أريد أن تحتفظ مني بذكرى طيبة، وأن تبرهن أن أنا توصف في أقوالكم بكثير من الشر؛ فأنا أحياناً لوّامة ناهية، لانتفاعي بإحدى عباراتكم البذيئة. وللتعويض عن الخسارة التي لا تقدر بثمن، التي مُنيتَ بها في ضياع روحك في القمار، أهب الرهان لك أنك سوف تكسب، إذا كان حسن الطالع لصالحك. أعني إمكانية الخسارة والربح، خلال حياتك كلها، وأن داء السوداوية العجيب هذا، لهو أصل جميع أمراضك، وأصل جميع انتكاساتك. ولن تخالجك أبداً رغبة إلا وساعدتك على تحقيقها، ولتسودنّ على جميع أندادك من السوقة، وستزجى لك المدائحُ؛ بل أناشيدُ الهُيام بك، حتى العبادة، فسيسعـى إليك المال، والذهب، والجواهر، والقصور الفاتنة، منقادة إليك، وستترجّاك أن تتقبلها، دون أن تكون أنت قد قمت بمجهود لكسبها، وستنتقل إلى وطن آخر، وإلى قطر آخر، كما سيأمرك به هواك غالباً، وستسكر بالملاذ الشبقية دون ملل، في بلدان فاتنة حيث الجو حار دائماً، وحيث تتضوع النساء أيضاً طيباً كالأزهار". وأضاف وهو ينهض مؤذناً بالانصراف، في بسمة ملائمة "إلى آخره، إلـى آخره..."

لولا مخافة الخزي أمام محفل مهيب، لوقعتُ طوعاً عن رضى ساجداً أمام هذا المقامر السخي لأشكره على سخائه الحاتمي، لكن بعد أن غادرته، خامرني الارتياب الشديد في أمره شيئاً فشيئاً؛ لم أتجرأ على أن أصدق كلامه عن سعادة خارقة للعادة، وما فتئت أصلي من خلال ما تبقى لي من عادة بلهاء، مرتعداً، فأخذتُ أردد؛ وقد أخذتني غفوة من النعاس: "إلهي، رباه، ياإلهي! إجعل الشيطان يفي بوعده".

30

الحبل

إلى إدوار مانيه

كان صديقي يقول لي: " إن الأوهام أيضاً لا تُحصى لعلها مثلُ علاقات البشر فيما بينهم، أو علاقاتِ البشر بالأشياء. وعندما يغيب الوهم، يعني عندما نرى الكائن أو الحدث على علاته خارج أنفسنا، فإننا نكابد إحساساً غريباً مركباً نصفه من الحسرة بالنسبة للشبح المختفي، ونصفه الآخر من الدهشة المستساغة إزاء التجديد، وإزاء الحدث الواقعي. إذا ما وُجدت ظاهرة جلية، ومبتذلة، ومتشابهة دائماً، ومن طبيعة يستحيل الشك فيها، فهي الحب الأمومي. ويصعب أيضاً تصور أمّ بلا حب أمومي إلا مثل نور بلا حرارة؛ أوَليس مشروعاً تماماً، إسنادُ جميع الأعمال والأقوال الصادرة عن إحدى الأمهات والمتعلقة بولدها إلى الحب الأمومي؟ ومع ذلك، فاستمع إلى هذه الأقصوصة، وقد حدثت خلال اللحظة التي كنتُ فيها على انفراد منخدعاً بوهم ذلك الحب الأكثر فطرة.

" تدفعني مهنتي التشكيلية لأنظر بحذر إلى الوجوه وأقرأ سيماءاتها التي تستعرض نفسها في طريقي، فأنت تعلم أي متعة نجنيها من هذه الموهبة التي تسعف أنظارنا بالحياة الأكثر احتراماً والأكثر دلالة ومغزىً، شأني في ذلك شأن جميع البشر. ففي الحي النائي الذي أسكنه، وعند الفضاء الفسيح المخضوضر الذي مازالت تتباعد فيه العمارات عن بعضها، لاحظت غالب الأحيان طفلاً ذا سحنة متوهجة، فسحنته أكيس من السحنات الأخرى، وكان يغويني أكثر من مرة بهيئته، تارة حوّلتُه إلى بويهمي، وتارة أخرى إلى ملاك، وطوراً إلى حبيب أسطوري. قلدته كمان المطربين الجوالين، وإكليل الشوك، ومسامير آلام المسيح، وشعلة إيروس. وأخيراً اتخذت من ذلك الغلام، بكل طرافة، متعة حية، فاتفق أن طلبتُ من أقربائه، وهم من الناس الفقراء، أن يتفضلوا بالتخلي عنه لي، فأتعهدَ بإكسائه ومنحه شيئاً من المال، وألاّ أفرض عليه من عمل شاق آخر سوى أن ينظف لي فرشاتي، ويؤدي لي خدماتي. أصبح هذا الطفل المغسول الوجه فاتناً، فأما الحياة التي كان يعيشها وهو في بيتي، فكانت تبدو له فردوساً مقارنة ً مع تلك الحياة التي كان يكابدها في كوخ والده. سأقول فقط إن ذلك الصبي قد أدهشني أحياناً خلال أزمات حزن مبكر شاذة، وإنه قد أظهر سريعاً تذوقاً فعالاً في تناول السكر والخمور العذبة؛ ولذلك يوم تحققتُ فيه أنْ قد اقترف أيضاً اختلاساً من هذا القبيل رغماً من تحذيري له، هددته بإرساله إلى أقاربه. ثم حدث أن خرجت، وقد شغلتني أمور خارج بيتي.

" فما أشد هولي واندهاشي وأنا داخل البيت، إذ كان أول ما استرعى انتباهي غلامي، ورفيق حياتي الخبيث المعلق في ماطور الخزانة! تكاد قدماه تلمسان الأرضية؛ وكان كرسي قد دفعه بدون شك بقدمه مقلوباً بجانبه؛ كان رأسه مائلاً باختلاج على أحد كتفيه؛ قبل كل شيئ، وجهه المتورم، وعيناه الواسعتان المفتوحتان بكاملهما، الشاخصتان بشكل مرعب، أحدثت لي كلها هلوسات في حياتي. فإنزاله أيضاً ليس عملاً سهلاً كما تظن. كان جد متصلب بعد، وكنت أشعر بنفور غامض من أن أقوم على حين غرة، بإسقاطه على الأرض. كان ينبغي مساندته كاملاً بساعد، وقطع الحبل باليد الأخرى. لكن ذلك يطول، فكل شيء لم ينته بعدُ؛ وظل المشوه الصغير مشدوداً بحبل رقيق جداً داخل لحمه، وكان ينبغي الآن البحث عن الحبل الرقيق الرفيع بين شريطي الانتفاخ من اللباد كي أخلص له عنقه بالمقص.

" تهاونتُ في أن أقول لكم إنني قد طلبت النجدة سريعاً غير أن كل جيراني كانوا قد رفضوا أن يسعفوني، وقد أخلصوا في ذلك لعادات الإنسان المتحضر الذي لايريد أبداً، ولسبب ما، أن يتدخل في شؤون إنسان معلق. وأخيراً ، جاء طبيب صرح أن الطفل قد مات منذ عدة ساعات. ولما أزلنا عنه ثيابه للدفن فيما بعدُ، كان التيبُّس الجُثي لا يزال كما هو، فوجب علينا، ونحن يائسون من ثني أعضائه، أن نمزق ونقطع ثيابه لإزالتها عنه.

" نظر اليّ شزراً، عميد الشرطة الذي كان عليّ طبعاً أن أصرح له بالحادث، فقال لي: " ها هوذا أحد المشبوه فيهم! "، وقد حرّكه بلا ريب، رغبة متأصلة، واعتياده على التخويف للأبرياء، والمذنبين على السواء، تحسباً لكل طارئ.

ظلت مهمة سامية في حاجة إلى الإنجاز، من ذلك أن الفكرة التي كانت تسبب لي غماً مرعباً هي : أنه كان عليّ أن أخطر أقاربه بما حدث، وما زالت قدماي ترفضان أن تقوداني إليهم. وأخيراً، واتتني تلك الشجاعة، لكن عند اندهاشي الكبير، كانت أم الطفل هادئة الأعصاب، فلا دمعة جادت بها، أو ذرفتها من زاوية عينها، عزوت هذا الأمر الغريب إلى الرعب ذاته الذي كان عليها أن تعانيه، فتذكرتُ المثل المعروف: " أشد الآلام رعباً هي الآلام الصامتة ".أما الأب ، فقد اكتفى بأن قال في هيئة نصف بلهاء، ونصف حالمة: " ربما ذلك أحسن، بعد كل ما حدث؛ فقد ينتهي الأمر دائماً نهاية سيئة! "

والحال، أن الجسد كان ممدداً على أريكتي ساعدته خادمة على ذلك، فلم انشغل بالاستعدادات الأخيرة، عندما دخلت الأم إلى معملي فقالت إنها تريد أن ترى جثة ابنها، ولم أستطع حقاً أن أحاذرها من أن تنغص حياتها غماً بمصيبتها، ولا أن أرفض لها ذلك العزاء الأخير والمغتم، ثم توسلتْ إليّ أن أُريها الموضع الذي كان فيه ولدها معلقاً، فأجبتها: " واهاً! كلا! سيدتي، سيؤلمك ذلك. " وبما أن عينيّ قد التفتتا إلى الخزانة المحزنة، فإنني شاهدتُ بتقزز مشوب بالهول والغضب أن المسمار ظل مغروزاً في الجدار مع قطعة طويلة من الحبل لا تزال مسترسلة. وثبتُ بمهارة لأزيل تلك الآثار الأخيرة التي خلفتها تلك المصيبة، وحيث إنني أوشكت أن أرميه في الخارج عبر النافذة المفتوحة، فإن المرأة المسكينة ظلت تمسك بيدي فقالت لي بصوت لايقاوم: واسيداه! ألا دَعْ لي ذلك! أرجوكَ! أتوسل إليك! وبدا لي أن يأسها بدون شك، قد أذهلها كلية، فأخذت تتوله الآن حناناً بسبب ما استخدم من أداة في موت ابنها، وتود أن تحتفظ بها تحفة ً غالية من آثار الماضي ـ فما لبثت أن استولت على المسمار والخيط. "أخيراً! أخيراً! كان كل شيء قد أنجز، ولم يبق لي سوى أن أعمد إلى الاشتغال برشاقة اكبر من المعتاد، لأزيل هذه الجثة الصغيرة شيئاً فشيئاً، وقد ظلت تتردد صورتها في تجاويف دماغي، وما فتئ شبحها يتبعني بعينيه الواسعتين الجامدتين. بيد أنني توصلتُ في اليوم التالي برزمة من الرسائل: بعضها من أصحاب البيت الذي أسكنه؛ والبعض الآخر؛ من بيوت مجاورة، إحدى الرسائل من الطابق الأول؛ الثانية من الطابق الثاني؛ الثالثة من الطابق الثالث، وهكذا دواليك، فبعض تلك الرسائل جاء في أسلوب نصف ممتع، كأنما تحاول إخفاء صراحة طلبها تحت دعاية ظاهرة؛ الرسائل الأخرى الوقحة بثقالة وبدون مراعاة إملاء، لكنها كلها تميل إلى نفس الهدف، يعني الحصول مني على قطعة من الشؤم وحبل طوباوي. يوجد من بين الموقعين، سأقول ذلك صراحة،النساء أكثر من الرجال، ولكن الجميع، وكن على يقين من ذلك، كانوا لا ينتمون إلى الطبقة الوضيعة والعامية، وقد احتفظت بهذه الرسائل.

"وبعدُ،فقد سطع نور في عقلي فجأة فعرفتُ لماذا كانت الأم تحرص كثيراً على أن تسلب مني الخيط، وأي صفقة كانت تقصد بها العزاء".

31

الميول

في حديقة رائعة حيث لا تزال أشعة شمس خريفية تبدو متباطئة بلا سبب، كان أربعة أطفال رائعون، بل أربعة غلمان متعبون من اللعب تعباً يتحدثون فيما بينهم تحت سماء ضاربة إلى الخضرة، مافتئت سحب ذهبية تموج فيها كقارات متنقلة. شرع أحدهم يقول: " أخذوني أمس إلى المسرح. يتحدث رجال ونساء على وجوههم سمات الوقار والحزن في قصور شاسعة وحزينة أيضاً، في العمق الذي يرى فيه المرء البحر والسماء، بل هم أكثر روعة وأحسن أزياءً من أولئك الناس الذين نراهم في كل مكان يتحدثون بصوت رخيم، يتبادلون التهديدات ويتوسلون ويسندون غالب الأحيان أيديهم على خنجر مغمد في حزامهم. آه! ما أجمل ذلك! فالنساء أجمل وأعظم من النساء اللائي يأتين لزيارتنا في البيت، بالرغم من عيونهن الواسعة الغائرة وخدودهن الملتهبة، فلهن مظهر مدهش، ولا يمكن الحيلولة دون أن يحبهن المرء. إن ذلك يجعلك ترغب في ارتداء الزي نفسه، وقول وفعل الأشياء نفسها، والمحادثة بالصوت نفسه" وقال أحد الأطفال الأربعة فجأة، وكان لا يستمع إلى خطاب صديقه منذ بضع ثوان، وكان يلاحظ نقطة غير محددة في السماء بتركيز مذهل: " أنظروا إليه، أنظروا إليه هناك...!هل ترونه؟ إنه جالس فوق تلك السحابة الصغيرة المنعزلة، تلك السحابة لونها ناري، وتتهادى في مشيتها، وهو كأنما ينظر إلينا " فسأله رفاقه الآخرون: " ترى، من هو؟ " أجابهم بنبرة من اليقين الراسخ: " رباه! واهاً لقد ابتعد بعدُ، فعما قليل لن تتمكنوا من رؤيته. بالتأكيد، إنه يسافر لزيارة جميع البلدان، أنظروا، فسيمر وراء ذلك الصف من الأشجار الذي أوشك أن يبدو في الأفق... والآن، يهبط وراء برج جرس الكنيسة...واهاً! إننا لم نعد نراه! " وظل الطفل يتطلع إلى نفس الأشجار برهة من الزمن مركزاً عينيه ـ اللتين يلمع فيهما تعبير منيع من الانخطاف والأسى ـ على الخط الأفقي الذي يفصل الأرض عن السماء. عندئذ،قال ثالثهم، وكان شخصه الصغير بكامله موسوماً بنشاط وحيوية فريدة: " هل ذلك الطفل أبله مع إلهه بحيث يمكن له وحده أن يشاهده! أنا سأحكي لكم كيف عرض لي عارض لم يحدث لكم أبداً، وهو لا يقل أهمية عن مسرحكم وضبابكم ـ منذ أيام أخذني أقربائي للسفر معهم، وبما أن النزل الذي إليه آوينا ليس فيه ما يكفي من الأسرّة لنا جميعاً، فقد تقرر أن أنام مع خادمتي في سريرها ذاته "ـ انجذب إليه رفاقه، فتحدث إليهم بصوت أشد خفوتاً ـ " لا عليكم، فقد كان ذلك حصيلة مفعول فريد بألا ينام المرء وحده، وبأن يكون في سرير واحد مع خادمته في الظلام. وحيث إنني لم أنم، فقد تلهيت ، فيما هي لاتزال نائمة، بتمرير يدي حول ساعديها، وحول عنقها، وحول كتفيها، إن لها لساعدين وعنقاً أسمن من سواعد وأعناق غيرها من النساء جميعهن، فبشرتها لطيفة بما فيه الكفاية، لطيفة حتى لكأنها ورق الرسائل الفاخر، أو الورق الحريري. فلو لم أكن خائفاً من إيقاظها قبل كل شيء ـ ثم إنني خائف من شيء ما، لكان لي فيها كثير من أفانين المُتع التي ربما تابعتها زمناً طويلاً. ثم إنني أدخلت رأسي في فرعها الذي كان يتدلى على ظهرها كثيفاً كأنه ذؤابة، وكان يضوع طيباً ـ أؤكد لكم ـ مثل أزهار الحديقة ساعتذاك. حاولوا حينما تستطيعون إلى ذلك سبيلاً أن تفعلوا مثلي،فسترون." وكان للشاب صاحب هذا الاعتراف المدهش، وهو ينسج حكايته عينان محملقتان بنوع من الذهول مازال يعانيه، وأشعة الشمس تؤذن بالغروب منزلقة عبر حبكات ضفيرتها الشهباء المشعثة، فظلت تنيرها مثل هالة كبريتية من الآلام، فكان سهلاً التنبؤ بأن ذلك الذي لم يكن يضيع حياته عن الربوبية في غمرة السحب الكثيفة، فغالباً ما سيجدها في مكان آخر.

وأخيراً قال رابعهم: " تعلمون أنني قلما ألهو في البيت، وأنني لم أؤخذ أبداً إلى العرض المسرحي، فولي أمري بخيل جداً، واللهُ لايهتم بي ولا بكآبتي، فليست لي خادمة جميلة كي تدللني. وبدا لي غالب الأ حيان أن متعتي ربما تكمن في استقامة سلوكي دون معرفة من أين، ودون أن ينشغل أحد بمتعتي، وفي زيارة بلاد جميلة دائماً. إنني لم أوجد أبداً في أي مكان، وأعتقد دائماً أنني سوف أكون على أحسن حال في مكان غير هنا الذي أنا موجود فيه الآن.

وبعدُ! فقدرأيت في معرض القرية المجاورة الأخير ثلاثة رجال يعيشون كما أشتهي أن أعيش. إنكم لم تتنبهوا إليهم، أنتم، أيها الرفاق. كانوا بالغين تقريباً في أعمارهم، سوداً وفخورين جداً، ولو هم في أسمال بالية بهيئة تنمّ عن أنهم غير محتاجين لأحد، فقد أصبحت أعينهم الواسعة الكئيبة متألقة تماماً أثناء قيامهم بالعزف الموسيقي؛ موسيقى تعطي فجأة الرغبة في الرقص تارة، والرغبة في البكاء تارة أخرى، أو الرغبة فيهما معاً في آن، فلو استمع إليهم المرء أمداً طويلاً، لغدا كالمجنون. وكان أحدهم يبدو، وهو يجر قوسه على أوتار كمانه كأنه يحكي للملإ عن حزن ما، وكان الثاني يبدو واثباً بمقرعه الصغير على آلة بيان صغير معلق في عنقه بحزام، أنه يستخف بشكوى جاره، بينما كان ثالثهم يدق من حين لآخر صنجات بعنف غير عادي. وكانوا راضين إلى هذا الحد عن أنفسهم، إذ أنهم استمروا في عزف موسيقاهم الوحشية حتى بعد أن انفض الجمهور. جمعوا أخيراً نقودهم، وحملوا أمتعتهم فوق ظهورهم، فانصرفوا. أما أنا، فتتبعتهم من مسافة بعيدة إلى أطراف الغابة بغية معرفة أين كانوا يقيمون حيث أدركت عندئذ أنهم لا يمكثون في أي مكان، فقد قال أحدهم: " هل ينبغي نشر الخيمة؟ أجابه الثاني: بالتأكيد! كلا! لقد جَنّ الليل! وكان الثالث يقول وهو يحصي حصيلة النقود: "أولئك الناس لا يتذوقون الموسيقى، فنساؤهم يرقصن كمجاري الماء، ومن حسن الحظ أننا سنحل قبل شهر في النمسا التي سنجد فيها شعباً أكثر لطفاً".

وقال أحد الاثنين الآخرين: " ربما نفعل خيراً بأن نسافر إلى إسبانيا، لذلك، فها هوذا الموسم يتقدم، فلنهرب قبل حلول الأمطار، ولا نبللنّ إلا حناجرنا. " "احتفظت بكل شيء كما ترون، ثم شرب كل واحد منهم طاساً من العرق، فناموا، واستدارت وجوههم نحو النجوم في العراء. وقبل كل شيء، كنت أود أن أتوسل إليهم ليأخذوني معهم، وأن يعلموني العزف على آلاتهم الموسيقية، لكنني بالتأكيد، لم أجرأ، وأيضاً فلأنه مازال صعباً جداً أن ينصرف المرء إلى أي شيء، فما زلت أخاف أن يعاد القبض عليّ قبل أن أحل خارج فرنسا. " ألهمني مظهر الرفاق الثلاثة الوضيع أن أتصور بأن ذلك الصغير كان بعدُ، غير مقدر حق قدره. فأخذت أنظر إليه بانتباه، يوجد في عينيه وفي جبهته شيء ما، غير محدود من بوادر العبقرية الحاسمة يُبعد التعاطف معه، عموماً، ظل يثير تجاوب عاطفتي معه، بدون سبب، إلى الحد الذي كانت تراودني في إحدى اللحظات، فكرتي الشاذة: لو أمكن أن يكون لي أنا بالذات، أخ مجهول.

كانت الشمس قد غربت، فطفق الليل المهيب يتخذ مكانه، تفرق الأطفال، وكل واحد ينصرف إلى مصيره المجهول، حسب الظروف واتفاق الأحوال، وإلى التفكير بعمق في مصيره، وفضح أقاربه، وانجذابه نحو المجد أو العار .

32

صولجان باخوس


إلى فرانزليزت

ما هو المزراق ؟

وفقاً للمدلول المعنوي ، هو رمز كهنوتي في يد الكهنة والكاهنات، يعظمون به الألوهية؛ وهم لسان حالها وخدامها، لكنه مادياً، ليس سوى عصىً، محض عصىً، عصىً طويلةٍ ذات جنجل ، ودعامٍة من دعائم الكرمة، يابسة، ومستقيمة. حول هذه العصى، وفي الْتواءات نزوية، تتلاعب وتمرح السيقان والأزهار: هذه السيقان الملتوية والمرتخية، وتلك الأزهار المائلة كالنواقيس، أو الكؤوس المقلوبة ؛ وقد انبثقت هالة مجد من ذلك التعقيد للخطوط والألوان، اللينة أو الصارخة. أوَليس الخط المنحني والحلزوني، كأنهما يبديان إعجابهما بالخط المستقيم، ويرقصان حوالبه في عشق صامت ؟ أوَليس جميع هذه التوَيجات الرهيفة ، وجميع الكؤوس ، ونفحات روائح الألوان كأنما هي تعزف رقصة صوفية من موسيقى فاندنغو حول العصا الكهنوتية؟ ومع ذلك؛ فمن هو ذلك الإنسان المتهور الذي يجرأ أن يقطع برأيه: هل الأزهار وقضبان عناقيد العنب قد ُخلقت من أجل العصا، أوهل العصا ليست إلا ذريعة لإظهار جمال العناقيد والزهور؟

إن المزراق هو إظهار ثنائيتك المدهشة، أيها المعلم القوي والمبجل، عزيزي كاهن باخوس في الجمال الخفيّ والمشبوب العاطفة،
فما حرّكتْ أبداً حيوية أسخطها باخوس الذي لا يقهر ، عصاه، على رؤوس رفيقاتها المتيمات من فرط الحيوية واحتدام النزوة التي تُثيرونها ، يا صاحب النبوغ حول قلوب إخوانك.

العصى هي إرادتك المستقيمة والوطيدة، والأزهار هي التنزه على هواك حول إرادتك، ذلك هو العنصر النسوي ينفذ حول العنصر الذكوري استدارته العجيبة على قدم واحدة.

الخط المستقيم والخط المنعرج، القصد والعبارة، تصلب الإرادة، وانعرج الصوت، وحدة الهدف، وتنوع الوسائل، المزيج القوي وعدم قابلية تجزئة العبقرية ...ترى، أي محلل سيمتلك الشجاعة الممقوتة لتجزئتك وإقصائك ؟

عزيزي ليزت، عبر الضباب ، ومن وراء الأنهار ، وفي أعلى المدن التي تشدو فيها آلات البيان بمجدك ، والتي تترجم المطابع حكمتك، وفي أي مكان حللت، وفي إشراقات المدينة الخالدة، أوفي ضباب البلاد الحالمة التي يسليها غامبرينوس مرتجل أناشيد المتعة، والقلق، أو الألم الفائق الوصف ، أويبوح للورق بتأملاتك الصعبة، يا مرتل اللذة الحسية، والقلق الأبدي، أيها الفيلسوف، أيها الشاعر والفنان، إنني أحييك في الخلـود!

33
اِنْتشِيَنْ

عليك أن تكون دائماً نشوان؛ فهنالك كل شيء: تلك هي المسألة الوحيدة، وحتى لا تحس بعبء الزمان العظيم الذي يهدّ عاتقك، وَيْجَنحُ بك إلى ُتربة اللحد. عليك أن تنتشي بدون توقف.

لكن بماذا ؟ بالخمر، بالشعر، أو بالفضيلة؛ فكما تشاء، لكن اِنتشَينْ. وإذا أنت أحياناً تصحو على نغمات قصر، وعلى العشب الأخضر في خندق، وفي العزلة الكئيبة، في غرفتك؛ فضباب سكرك كاد ينقشع بعدُ، أو اختفى؛ فاسْأل الريح، والموج، والنجم، والطير، والساعة، وكل ما يهرب،
وكل ما يئنّ تأوّهاً، وكل ما يدور، وكل ما يشدو، وكل من يتكلم. اِسأل كم الساعة الآن؛ فالريح، والموج، والنجم ، والطير، والساعة، كل أولئك سيجيبونك : آن الأوان أن تنتشيَنّ من الخمر بدون توقف، ومن الشعر،أو الفضيلة ، كما تشــاء.



34
وصلنا بعد!

كانت الشمس مراتٍ عديدةً قد ظهرت متألقة ًومكتئبة الأسارير، ظهرت من مجمع هذا البحر الشاسع، وما كادت تشاهَد سواحله إلا بصعوبة؛ فقد أعادت الدّ ُكاء غطسها في حمّامها المسائي مرات عديدة متلألئة أو مقطبة الجبين. كنا نستطيع منذ العديد من الأيام أن نتأمل الجانب الآخر من قبة السماء، ونحل رموز الأبجدية السماوية لكوكبة النجوم بعيدة المدى. وكان كل مسافر يتأوه ويتأفف ضجراً. فقد قالوا: إن الاقتراب من الأرض يزيد من آلامهم، فكانوا يقولون فيما بينهم: " متى إذن نتخلى عن النوم نوماً يزعجه الموج، نوماً تبلبله ريح عاتية تهب من مكان أعلى خارج عن قدراتنا؟ ومتى سيمكننا أن نتناول لحماً لن يكون مملحاً بالماء الكريه الذي يحملنا؟ ومتى سيمكننا أن نهضم طعامنا هنيئاً مريئاً متكئين على أريكة هادئة؟ يوجد من بين المسافرين من يفكرون في أهلهم، ومن يتحسرون على نسائهم الخائنات والكئيبات كمداً على فعلتهن، ومنهم من يتحسرون على ذريتهم المشاغبة. كانت صورة اليابسة الغائبة قد أذهلتهم جميعاً إلى حد ما، حتى إنهم كانوا، على ما أعتقد، قد تمنوا لو أكلوا العشب في إقبال حماسي كالحيوانات العجماوات. و أخيراً، كانت ضفة قد ظهرت؛ فرأينا ونحن نقترب منها أنها كانت أرضاً رائعة تخلب الألباب. وكان يبدو أن إيقاعات موسيقى الحياة تنقلت منها في موجة تدمدم، وأنه من تلك السواحل الغنية بالعشب الأخضر من كل نوع، يضوع عطر لطيف من الأزهار والفواكه، يمتد أريجه عبر عدة مسافات بعيدة.

وفي الحال، ألقى كل واحد منا بسمعه، وعَدَل عن حدّة طبعه. فكانت جميع الخصومات قد ضُرب عنها صفحاً، وجميع الأخطاء المتقاسمة قد صُفح عنها؛ فأما المبارزات المقررة فقد امّحتْ مواعيدها من الذاكرة، وتبددت الأحقاد دخاناً في الهواء.

أنا وحدي كنت حزيناً، حزيناً فوق ما يتصوره العقل. شبيه براهب نُزعت عنه ربانيته، فما كنت أستطيع أن أنفصل عن هذا البحر الفاتن إلى هذا الحد في ضخامته بدون اشمئزاز محزن، هذا البحر المتغير للغاية في بساطته المرعبة، والذي يبدو أنه يحوي في غمرته، ويقدم لنا من خلال ألاعيبه، كيفيةَ تصرفه، وسَوْراتٍ من غضبه، ونماذج من ابتساماته، ودعاباتٍ للخواطر، والنزعَ الأخير للمشرفين على الموت، وانخطافاتِ جميع النفوس المفتونة التي عاشت والتي ستعيش!

ولما ودعتُ ذلك المجال الذي لا مثيل له، أحسست أنني خائر القوى حتى الموت، فلذلك، لما قال كل واحد من رفقائي: " أخيراً! " ،لم أستطع أن أهتف إلا بقولي: "...وصلنا بعد! "

والحال، أن الأرض قد ظهرت، الأرض بما رحبت، بضوضائها وبالأهواء المنتشرة، وبرغد العيش فيها، وبأفراحها؛ فقد كانت أرضاً غنية ورائعة، ملأى بالوعود، ترسل إلينا عطراً فاخراً من ورد ومسك، فمنها كانت تصلنا إيقاعات موسيقى الحياة يهمس بها في أسماعنا عاشق متيم .

35

النوافذ

من ينظرْ من الخارج عبر نافذة مفتوحة، لا يرَ من الأشياء قدر ما يراه من ينظر إلى نافذة مغلقة. فلا يوجد من شيء أبعدَ غوراً، وأغربَ، وأخصبَ، وأشد ظلاماً، ولا ألمع من نافذة تضيئها شمعة.

فما يمكن أن تراه في ضوء الشمس هو دائماً أقل أهمية مما يحدث وراء زجاج نافذة ما. في تلك الكوة المظلمة أو المضيئة يتصرف المرء على هواه، يحلم ، ويعاني.

أشاهد امرأة يانعة، وبئيسة من وراء متون السقوف، تجعد وجهها بعدُ، منكبة ً على شغل منزليّ ما، ولم تفارق بيتها أبداً. أعدتُ نسج قصة تلك المرأة بتقاسيم وجهها، وبثيابها، وبنامّاتها، وبأقلّ قليلٍ يبدو منها، أو بالأحرى، نسجتُ أسطورتها وأحياناً أحكيها لنفسي باكياً.

لو كان البطل عجوزاً فقيراً لكنتُ قد نسجت قصته تماماً بسهولة أيضاً.

أنام مزهواً أنني حَيـِيْتُ، وتألمتْ نفسي في نفوس الآخرين غيرَ تألمها في نفسي.

ربما تقول لي: " هل أنت متأكد أن هذه الأسطورة مطابقة للحقيقة؟ " ماذا يهمني مما يمكن أن يكون الحقيقة الموضوعية خارج نفسي إذا لم يساعدني ذلك على أن أحيا وبأن أحس أنني موجود ومَنْ أنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق